يصادف الأحد في 18 كانون الأوّل 2022 اليوم العالميّ للغة العربيّة الذي تحتفلُ به منظّمةُ اليونسكو وذلك بالتعريف بمزايا هذه اللغةِ وخصائصِها وأهميتِها كونها إحدى اللغاتِ المعتمدةِ في المنظّمات الدوليةِ ومنها اليونسكو. ففي 18 كانون الأول 1973، اتخذتِ الجمعيةُ العامةُ للأمم المتحدةِ اللغةَ العربيةَ رسمياً لغةً رسميةً سادسةً للمنظمة مثل اللغات الأخرى المعتمدة لديها وهي: الصينيةُ والإنجليزيةُ والفرنسيةُ والروسيةُ والإسبانيةُ، وهذه اللغةُ القديمةُ كانت منتشرةً مع غيرها من لغاتِ المنطقةِ العربيةِ Arabia التي كانت تُدعى بالجزيرة لأنَّها تقعُ بينَ نهرِ دجلةَ في الشمال وصولاً إلى المحيط الهنديِّ، والبحرِ الأحمرِ والبحرِ الأبيضِ المتوسطِ بحيثُ تشكّلُ جزيرةً حقيقيةً كانت في البداية الموئلَ الأولَ للحضاراتِ الإنسانيةِ، وكانتِ اللغةُ العربيةُ هي اللغةَ التي تتحدثُها القبائلُ المنتشرةُ في هذه الجزيرةِ العربيةِ التي ضمت لغاتٍ مشابهةً أخرى دُعيتِ اللغاتِ السامية، والعربيةُ ضمنها فهي تنتمي إلى الفرع الساميِّ الجنوبيِّ للعائلة الأفرو آسيوية. وكان انتشارُ اللغةِ العربيةِ ونموُّها على وجه التحديدِ نتيجةً لأسلوب حياةِ المتحدثينَ الأصليينَ الذين سافروا، وتنقلوا خارجَ هذه الجزيرةِ العربيةِ التي شكّلتْ موطنَ الرسالاتِ السماويةِ، فكان لابدَّ من نشر هذه الرسالاتِ بينَ البشرِ، وهذا ما ساعدَ على انتشارها، لا سيما أنَّ آخرَ هذه الرسالاتِ نزل باللغة العربيةِ تحديداً، وقد ساعد التزواجُ بين العرب وغيرِهم من مجموعات الناطقينَ الأصليينَ في نمو اللغةِ وانتشارِها، وأدّى ذلك إلى ظهور اللهجاتِ المختلفةِ الموجودةِ اليومَ. لذلك كلِّه جاءتْ ذروةُ انتشارِ اللغةِ العربيةِ مع فتوحاتِ القرنِ السابعِ، عندما وصلتِ اللغةُ العربيةُ إلى شمال إفريقيا وشبهِ الجزيرةِ الإيبيريةِ وشرقِ الصين. والأبجديةُ العربيةُ تتبعُ نظامَ أبجد الذي يعود تاريخُه إلى القرن الثاني، وله أصولُه في النص الذي استعملتهُ القبائلُ النبطيةُ التي عاشتْ وسطَ الجزيرةِ العربيةِ، جنوبَ سورية، وشبهِ جزيرةِ سيناء والأردن، وما تزال الأبجديةُ التي نعرفها اليوم محتفظةً بالكثير من أوجه التشابهِ مع الأبجديةِ النبطيةِ، خاصةً من حيثُ حروفُ العلةِ الطويلةِ والحروفُ الساكنةُ. ولم تكنِ اللغةُ العربيةُ تحتوي في الأصل على العديد من النقاط كما هو الحالُ اليوم، فقد وُضِعت هذه النقاطُ بشكلٍ أساسيٍّ للتمييز بين أصواتِ الحروفِ المتحركةِ المختلفةِ، ويقالُ إن أولَ من وضع النقاطَ التي تدلُّ على الحركات هو الشاعرُ العربيُّ المعروفُ أبو الأسود الدؤلي، ومن إبداعاته الشعريةّ هذه الأبياتُ:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيَهُ فالقومُ أعداءٌ لهُ وخصومُ
والوجهُ يشرقُ في الظلامِ كأنهُ بدرٌ منيرٌ والنساءُ نجومُ
وترى اللبيبَ مُحسَّداً لم يجترمْ شتمَ الرجالِ، وعرضُه مشتومُ
وكذاكَ مَن عظُمتْ عليه نعمةٌ حُسّادُهُ سيفٌ عليه صَرومُ
فاتركْ محاورةَ السفيهِ فإنها ندمٌ وغبٌّ بعد ذاك وخيمُ
وإذا جريتَ مع السفيهِ كما جرى فكلاكما في جريهِ مذمومُ
وإذا عتبتَ على السفيهِ ولمتَهُ في مثلِ ما تأتي فأنتَ ظلومُ
لا تنهَ عن خلقٍ وتأتيَ مثلَه عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ
وتتحدثُ بلدانُ الجزيرةِ العربيةِ التي تضمُّ الآن سورية ولبنان والعراق والأردن وفلسطين ودول الخليج العربي إضافة إلى دول شمال إفريقيا والمعروفةُ جميعُها باسم "العالمِ العربيِّ" أو "الوطنِ العربي" اللغةَ العربيةَ لغةً أساسيةً، وتعدُّ دولٌ أخرى مثل إيران ومالي ونيجيريا والسنغال وتركيا اللغةَ العربيةَ لغتَها الوطنيةَ، أو تعترفُ بها لغةً للأقلية. وتتداخلُ اللغةُ العربيةُ مع كثير من اللغات الأخرى ففي الإسبانية عددٌ كبيرٌ من الكلمات المأخوذةِ من العربية، وذلك بسبب سيطرةِ العربِ لقرون عديدةً على جزء كبيرٍ من شبه الجزيرةِ الإيبيريةِ. فاللغةُ الإسبانيةُ الحاليةُ هي تطورُ مزيجٍ من اللغات القشتاليةِ القديمةِ والمستعربةِ، والعديدُ من هذه الكلماتِ المأخوذةِ من العربية تبدأ بحرف "a" أو "al-". لأن كليهما من أدوات التعريفِ ذاتِ الأصلِ العربيِّ واللتين احتفظ بهما عند إدخال الكلماتِ إلى الإسبانية. فعلى سبيل المثال، “el azúcar” للسكر، Aceite للزيت، aceituna للزيتون، azafrán للزعفران، café قهوة، jarabe شراب، jarra جرة، limón ليمون، naranja النارنج، Algodón القطن، arrecife الرصيف، Hasta حتى، aldea الضيعة، noria ناعورة. ويمثلُ العالمُ العربيُّ سوقاً سريعَ النموِّ للمستثمرين، واستعمالُ الشابكةِ (الإنترنت) آخذٌ في الازدياد في الدول العربيةِ، فأغلبُ السكانِ يتحدثون العربيةَ فقط، لذلك فإن ترجمةَ المحتوى الرقمي إلى اللغة العربيةِ أمرٌ أساسيٌّ لاكتساب ميزةٍ تنافسيةٍ في هذه السوق. أما القطاعاتُ التي من المهم فيها التواصلُ باللغة العربيةّ فهي العلاقاتُ الدوليةُ والطاقةُ والدفاعُ والغذاءُ. ولايمكن أن ننسى جمالَ اللغةِ العربيةِ وإبداعاتِها في الشعر فها هو أبو الأسود الدؤلي مرةً أخرى يوجزُ ببيت واحدٍ عبرةً مهمةً من عبر الحياةِ حينَ يقول:
فما قُربُ مولى السوءِ إلا كبُعدِهِ بلِ البُعدُ خيرٌ من عدوٍّ تقاربُهْ
وبما أن حديثَنا اليومَ عن اللغة العربيةِ وتاريخِها وقد وقفنا عند هذا الشاعرِ المبدعِ، فمن الجميل أن نعرّجَ على أبياته في أهمية العلمِ والتعليمِ حيثُ يقول:
العلمُ زَينٌ وَتَشريفٌ لِصاحِبِه
فَاطلبْ هُديتَ فنونَ العِلمِ وَالأدبا
كَم سيدٍ بَطلٍ آباؤُه نُجُبٌ
كانوا رُؤوساً فَأَمسى بَعدَهُم ذَنبا
وَمُقرِفٍ خامِلِ الآباءِ ذي أدبٍ
نَال المَعالي وَالآدابَ وَالرُتبا
لِلعِلمِ كنزٌ وَذُخرٌ لا تعادِلُهُ
نِعمُ القَرينِ إذا ما عاقِلٌ صحبا
أضحى عَزيزاً عَزيزَ القَدرِ مُشتَهِراً
في كُل مَنزِلَةٍ قد حَلّ مُحتَجِبا
لا خيرَ في مَن لهُ أَصلٌ بِلا أدبٍ
نالَ المَعالي وَالأموالَ وَالنَشبا
يا جامِعَ العِلمِ نعمَ الذخرُ تجمعُهُ
لا تعدلَنّ بهِ دُرّاً وَلا ذَهبا
اشددْ يَدَيكَ بِهِ تَحمدْ مغبتَهُ
بِهِ تَنالُ الغِنى وَالدينَ وَالحَسَبا
قَد يَجمَعُ المَرءُ مالاً ثُمَّ يُسلَبُهُ
عَما قَليلٍ فَيَلقى الذلَّ وَالحَربا
وَجامِعُ العِلمِ مَغبوطٌ بهِ أَبداً
فَلا يُحاذِرُ مِنهُ الفوتَ وَالسَلبا
وقال أيضاً:
بالعلمِ و العقلِ لا بالمالِ والذهبِ يزدادُ رفعُ الفتى قدراً بلا طلبِ