سعدالله ونوس

سعد الله ونُّوس أديبٌ مسرحيٌّ سوريٌّ، وُلِدَ في حُصين البحر في محافظة طرطوس، عملَ في مجال الصِّحافة، وكتب في عدد من الصُّحف
والمجلاَّت السوريَّة، وأبرزها مجلَّة «المعرفة»، وكان مسؤولاً عن النَّقد فيها،
وكتب في مجلة «الآداب» مقالاتٍ مهمَّةً في المسرح وقضاياه. ترأس ونُّوس تحرير مجلة«الحياة المسرحيَّة» السوريَّة، وعمل في المسرح القومي في سورية، ودرَّسَ المسرحَ في المعهد العالي للفنون المسرحيَّة بدمشق.

لم يقتصر نشاط ونُّوس المسرحيّ على بلده، فقد عُرِضَتْ مسرحيَّاته منذ عام 1970م في كثيرٍ من البلدان العربيَّة؛ منها:
السُّودان ولبنان والعراق والجزائر والكويت ومصر والأردن والمغرب، وكُرِّم لنتاجه المسرحيِّ مرَّاتٍ في عدد من الدُّول العربيَّة أيضاً، فقد كُرِّم في مصر وتونس ولبنان والإمارات العربيَّة المتحدة، وكان لمسرحه صدى عالمي أيضاً، وقد تُرجمت بعض مسرحيَّاته إلى لغاتٍ منها: الفرنسية والإنكليزية والألمانية والرُّوسيَّة والإسبانية والبولونية.
ربط ونُّوس المسرحَ بالحياة، وكان يحرص على ربط القول بالفعل، وأسهم في تنشيط الحركة المسرحيَّة في بلده، وأثار في مقالاته كثيراً
من هموم المسرح العربيِّ ومشكلاته والعقبات التي تقف في وجه تناميه.

بدأ ونُّوس كتابة المسرح في السِّتينات، كان نصُّه المسرحي الأوَّل «ميدوزا تحِّدق في الحياة» (1963م) تجسيداً حيًّا للصِّراع بين العقل والعاطفة، ثمَّ كانت مسرحيته «جثة على الرَّصيف» (1963م) وفيها أثرٌ من الوجوديَّة العبثيَّة، أمَّا في مسرحيته «فصد الدَّم» (1963م) فلامس واقعَ الهمِّ العربيِّ الفلسطينيِّ، ثم كتب بعد ذلك «الجراد» (1964م) والموازنةُ بين هذه المسرحية وسابقتها تتمخض عن صراعٍ حادٍّ في وجدان ونُّوس بين تشاؤمٍ حادٍّ يمليه عقله وتفاؤل تقضي به الكتابة المسرحيَّة، ثم كتب بعد ذلك مسرحيته «مأساة بائع الدِّبس الفقير» (1964م) وفيها تنديد بالخوف الإنساني، وكأنَّه سعى من خلالها إلى إيقاظ الرُّوح الخاملة في وجدان الإنسان، ثم توالت مسرحيَّات أخرى كثيرة؛ ومنها: «المقهى الزُّجاجي» (1965م)، «لعبة الدَّبابيس» (1965م)، «الرسول المجهول في مأتم أنتيغون» (1965)، «عندما يلعب الرِّجال» (1966م)، وقد استمد ونُّوس مادة مسرحه في هذه المسرحيَّات من الواقع الاجتماعيِّ والواقع السِّياسيِّ.
طرح ونُّوس سؤالاً مهمًّا في مسرحه محدِّداً به العلاقةَ الجدليَّةَ بين الحاضر والتَّاريخ، كيف يكون للتَّاريخ قيمة في العقل العربيِّ؟ وحدَّد قيمة الفائدة من الوقوف عند الماضي في اسـتشراف المستقبل ورسـم آفاقه الرَّحبة، وتغدو بذلك قراءة التَّاريخ حصانةً من الوقوع في الحفرة نفسها كلَّ مرَّةٍ؛ ولذلك قال ونُّوس «ما فائدة التاريخ إن لم يكن يسمح لنا بالتنبؤ؟!».
تُعدُّ مسرحيته المشهورة «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» علامةً فارقةً في نتاجه المسرحيِّ، كتبها سنة 1967م متأثِّراً بواقع النَّكسة، وقد فتحت له آفاق الشُّهرة من أوسع الأبواب، وكان همُّه فيها الوقوف على أبعاد الحدث الجلل، وقال في هذه المسرحية الأديب الرِّوائيُّ عبد الرَّحمن منيف: «حين شهدْتُ «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» في عروضها الأولى وعلى الرُّغم من قتامة تلك المرحلة شعرت بالفرح، وذلك لأنَّ هذه المسرحية كانت مبشِّرةً بنتاجٍ مسرحيٍّ ذي طابع جديدٍ في أسـلوب الأداء المسـرحيِّ لدى ونُّوس»، ويؤكِّد عبد الرَّحمن
منيف ذلك فيقول: «من ضلع هزيمة حزيران ومن وجعه بدأ مسرح سعد الله ونُّوس».

أخذ ونُّوس بعد مرحلة «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» يتناول المسرح بأدواتٍ فنيَّةٍ جديدةٍ، وقد اصطلحَ نقَّادُ مسرح ونُّوس على هذه المرحلة الجديدة «مرحلة التأمل والمراجعة» وتعتمد هذه المرحلة على الاستلهام الواسع من التُّراث التاريخيِّ، وأطال ونُّوس الوقوف في رحاب التَّاريخ بعد أن قرأ كثيراً من فصوله، وغدا مسرحه في هذه المرحلة ذا مزايا فنيَّة أبرزها استخدام طريقة الإسقاط الفنِّي في الكتابة، وتوالت جملة من المسرحيَّات كان التَّاريخ والواقع ماثلين فيها، وهذه المسرحيَّات جسَّدت مرحلة الكتابة المسرحيَّة المبتكرة في إبداع سعد الله ونُّوس المسرحي، فمن مسرحياته فيها: «الفيل يا ملك الزَّمان» (1969م)، «مغامرة رأس المملوك جابر» (1970)، «سهرة مع أبي خليل القبَّاني» (1972م).
استمر ونُّوس يستحضر التَّاريخ ويستلهم الواقع الاجتماعيَّ والواقع السِّياسيَّ في كتاباته المسرحيَّة حتى عقد التسعينات «يوم من زماننا» (1993م)، وشهد عقد التسعينات مرحلةَ نضوجِ الاستلهام التَّاريخي في مسرح ونُّوس ونضوج أدواته الفنيَّة في ذلك، ولاسـيَّما في مسرحيته «منمنمات تاريخيَّة» (1994م)، ومسرحيته «طقوس الإشارات والتحولات» (1993ـ 4991م)، و«ملحمة السراب» (1995م).
كانت مسرحيَّات ونُّوس مادَّةً للنَّقد فكُتبت فيها المقالات والبحوث وأُلِّفت عليها الكتب النَّقديَّة أيضاً، واختير ونُّوس سنة 1996م لإلقاء كلمة في يوم المسرح العالمي في المعهد الدُّوليِّ للمسرح التَّابع لليونسكو، وأبرز ما فيها قولُه: «إنَّنا محكومون بالأمل، وما يحدث لا يمكن أن يكون نهاية التَّاريخ»، وحدَّد في كلمتـه مهمَّة المسرح فقال: «إنَّ المسـرح في الواقع هو أكثر من فنٍّ، إنه ظاهرة حضاريَّة مركَّبة سيزداد العالَم وحشةً وقُبحاً وفقراً لو أضاعها وافتقر إليها». وقد تُرجِمَتْ كلمته إلى لغاتٍ عديدة.

توفي سعد الله ونُّوس في الخامس عشر من شهر أيَّار/مايو بعد صراعٍ مريرٍ مع مرض السَّرطان، نُشرت أعمالُه المسرحيَّة مجموعةً بعنوان «سعد الله ونُّوس الأعمال الكاملة» في دار الآداب في بيروت 1996م وصدرت في ثلاثة أجزاءٍ.

 

تابعنا